الموزاييك كلمة أعجمية تقابلها في اللغة العربية كلمة (فسيفساء)، وهي تشير إلى نوع من الفن يقوم بالأساس على تجميع قطع حجرية أو خزفية أو زجاجية صغيرة تعطي في النهاية الشكل المطلوب في صورة متفردة بديعة.
وتستخدم تكوينات "الموزاييك" المصنوعة من الزجاج لكساء الحوائط
الخارجية والداخلية
للمباني ولكساء الخشب، أو لعمل بانوهات خاصة وغالباً ما تُستخدم طريقه
"الموزاييك" في صنع وحدات الديكور التي تصنع للمداخل
والممرات بالمصانع والشركات والسلالم والحمامات
وذلك لسهولة تعشيقها (بالخرسانة) بالإضافة لاستخدامها في عمل
المناضد والكراسي حول حمامات السباحة.
مدارس فسيفسائية متعددة:
فإذا كانت المدرسة البيزنطية قد برعت في تعميق فن (الموزاييك)
بالأسلوب التعبيري الرمزي، وبرع فنانوها في استخدامه في تجميل الكنائس
بخلفيات ذهبية وتقسيمات
غاية في الإبداع، في حين اتجهت المدرسة الرومانسية
إلى الأسلوب الأكاديمي،
وذلك لما يتمتع به روادها من مهارة ودقة في صياغة وصناعة
خاماتها الزجاجية المطبوخة،
والحصول على درجات لونية شديدة التقارب بعضها البعض،
لدرجة أن المشاهد لهذه اللوحات الفنية لا يمكنه التفرقة
بينها وبين اللوحات الزيتية،
وتوجد هذه الأعمال الفنية الرائعة على جدران مباني كنيسة الفاتيكان
بروما وأماكن أخرى متفرقة في إيطاليا.
فلاشك في أن فن (الفسيفساء) الإسلامي هو الأكثر تفرداً وتميزاً
من بين كل فنون (الموزاييك)
الأخرى، فعلي امتداد(14) قرناً لعب الفن الإسلامي دوراً هاماً في
التأثير على الحضارات التي جاءت بعده ولا يزال تأثيره موجوداً حتى الآن،
فالآثار الباقية من العصر الإسلامي الوسيط تعطينا صورة بديعة عن
شكل الحياة في ذلك العصر، والذي تمثل بأفضل صوره في
الزخارف الهندسية التي استخدمت
بدقة في المساجد والأبنية التي بقيت لنا منذ ذلك العصر.
وقد استخدم الفنان المسلم منهجاً جديداً في فن الفسيفساء
هو الذي حقق له تقطيع الفسيفساء بأشكال تميزه عن الفنون الأخرى،
وتجلى هذا الاختلاف في أبهى صوره في ابتكار أشكال هندسية
خماسية وسداسية،
وقد شهدت مصر أروع أشكال الإبداع والابتكار في فن الفسيفساء،
وخاصة في الأعمال الفنية التي تم الاستعانة فيها بالأنماط الهندسية،
ومنها
(المشكاة)
ذات الفسيفساء الرخامية الملونة، أما في دول المغرب العربي
فلا يزال الفنانون هناك يستخدمون الأنماط والأشكال النجمية
والدائرية والخماسية والسداسية والرباعية والأشكال المعقوفة المصنوعة
جميعها من مادة الرخام والخزف الملون، بحيث تعطي في تجميعها أشكالاً
من الأطباق النجمية.
وقد استفاد فن الفسيفساء الإسلامي من فنون (الموزاييك) الأخرى التي
سبقته، وقصة هذا الامتزاج والتفاعل بينهم تبدأ منذ فتح العرب لبلاد الشام حيث
وجدوا هناك مدرسة فنية تنتمي إلى جذور ساسانية- هيلينية- بيزنطية،
ووجدوا فنانين
شوام تلقوا أساليبهم الفنية على أيدي فنانين من الروم،
فاستفادوا من هذا الفن وقاموا بتطويره، وقد اكتش
ف العلامة الفرنسي (دي لوريه)
أجزاء نمطية الشكل كانت مغطاة بالملاط في الجامع الأموي استخدم
فيها الفنانون الفسيفساء في رسم منظر لنهر رائع على ضفته
الداخلية أشجار ضخمة تطل على منظر طبيعي مليء بالرسوم
لعمائر كثيرة بين الأشجار
والغابات، ومن هذه العمائر رسم لملعب للخيل، ورسم
آخر لقصور ذات طابقين وأعمدة جميلة، ورسم ثالث لفناء مربع الشكل
وله سقف صيني الطراز، فضلاً عن عمائر صغيرة تبدو وكأنها مصنوعة
بحيث تكون متراصة الواحدة فوق الأخرى، وفوق النهر توجد قنطرة تشبه
قنطرة أخرى موجودة فوق نهر بردى في دمشق، مما جعل البعض
يظنون أن هذه الرسوم قصد بها رسم مناظر من مدينة دمشق.
إذن فقد تبلور فن الفسيفساء بعد أن اكتملت الهوية الفنية الإسلامية،
واتخذ لنفسه هذا الأداء والأسلوب الإبداعي بعيداً عن
فن (الموزاييك) الغربي الذي اعتمد علي استخدام قطع صغيرة
متشابهة هندسياً،
ولذلك فقد تميز الفن الإسلامي بمنهج خاص يظهر بوضوح في
المساجد والعمائر الإسلامية
التي استوحى منها الفنان المسلم روحه الفريدة وقيمه الأخلاقية
والاجتماعية والدينية.
